صخور ترياسيك

 

أولاً :

أعد هذا التقرير بتكليف من وزير الحربية (وزير الدفاع) وطبع في العامين 1877 و 1878، وهو عبارة عن ثمانية مجلدات تتناول التاريخ الطبيعي الأجزاء من نيفادا وإيداهو وويومينج) ****). وقد تناول كتاب التقرير بالوصف الصفائح الهائلة لصخور ترياسيك Triassic وسفوح الجبال الملأى بـ «بلورات الترمالين (7) السوداء اللامعة الدقيقة» و«حبات العقيق الأحمر (٤) صغيرة الحجم المائلة إلى اللون الحديدي البني، التي لم يتعد حجمها رأس الدبوس»(3). إن لدى الجيولوجيين الميدانيين ظماً شديدا لمثل هذه التفاصيل. وإن الباحثين عن الألماس مهووسون بالعقيق الأحمر، لأنه يمكن أن يقود إلى جيوب الألماس (8). لقد صب روبرتس اهتمامه على التشكيلات الجيولوجية الأكبر حجما في المنطقة. وذات يوم أقله طاهي المعسكر إلى منجم فضة مهجور. وراح يجوب المنطقة على طول سلسلة صياغة نظرية حول منطقة وجود الذهب ستستغرق منه عدة سنوات، تكون في ذهنه آنذاك جانبان من تلك النظرية : أولا ، دفعت الصخور المحيطية الأقدم عمرا نحو الأعلى عند طبقة الصخور الأحدث القائمة على شاطئ البحر الذي تشكل في الأزمنة القديمة؛ وثانيا، أن الذهب أخذ مكانه داخل المنطقة التي حدثت فيها عملية الدسر (*) وأسفلها. ويفسر الجيولوجيون اليوم عملية الدسر بأنها نتاج التصادم التكتوني (الصفائحي) (*) (على مستوى أديم (الأرض حيث تهشمت صفيحتان من قشرة الأرض بفعل التصادم في الماضي الجيولوجي (***). غير أن نظرية الصفائح لم تظهر قبل عقد الخمسينيات من القرن العشرين. وفي العام 1939، عندما شرع روبرتس في أعماله الاستكشافية (7)، كان أهم مرجع يتناول جيولوجيا المنطقة عبارة عن تقرير يعود إلى القرن التاسع عشر ويعرف بمسح دائرة العرض الأربعين Fortieth Parallel Survey. أعد هذا التقرير بتكليف من وزير الحربية (وزير الدفاع) وطبع في العامين 1877 و 1878، وهو عبارة عن ثمانية مجلدات تتناول التاريخ الطبيعي الأجزاء من نيفادا وإيداهو وويومينج)


ثانياً :

 وقد تناول كتاب التقرير بالوصف الصفائح الهائلة لصخور ترياسيك Triassic وسفوح الجبال الملأى بـ «بلورات الترمالين (7) السوداء اللامعة الدقيقة» و«حبات العقيق الأحمر (٤) صغيرة الحجم المائلة إلى اللون الحديدي البني، التي لم يتعد حجمها رأس الدبوس»(3). إن لدى الجيولوجيين الميدانيين ظماً شديدا لمثل هذه التفاصيل. وإن الباحثين عن الألماس مهووسون بالعقيق الأحمر، لأنه يمكن أن يقود إلى جيوب الألماس (8). لقد صب روبرتس اهتمامه على التشكيلات الجيولوجية الأكبر حجما في المنطقة. وذات يوم أقله طاهي المعسكر إلى منجم فضة مهجور. وراح يجوب المنطقة على طول سلسلة جبال أنتلر Antler في أسعد حالاته - حينما كان يتجول وحيدا بمفرده (9). حدد الجيولوجيون الأسبقون ماهية تلك السلسلة الجبلية التي سار روبرتس بمحاذاتها بأنها تتكون من الحجر الجيري البالغ عمره 300 مليون عام. ويتكون الحجر الجيري من بقايا هياكل الحيوانات بالغة الصغر من البحار الضحلة، أي تلك البحار التي لطمت أمواجها ذات يوم الشاطئ القاري في نيفادا الحالية. ويستمد الحجر الجيري لونه الباهت من الهياكل العظمية الدقيقة الداخلة في تكوينه. وعندما تصادمت الصفيحة المحيطية والصفيحة القارية (10) ، وفق دین هیت Dean Heitt، الخبير الجيولوجي من شركة نيومونت للتنقيب Newmont Mining Corporation ومؤلف تاريخ منجم کارلین تریند اندفعت الصخور الأقدم والأشد قتامة من المحيط العميق، مثل الشّرت (*) والطفال () إلى الأعلى نحو الحجر الجيري ذي اللون الرمادي الفاتح، الأحدث عمرا، فغطته». وعندما شرع روبرتس في رحلته لاستكناه الطبيعة الجيولوجية للمنطقة، كان الخروج بنظرية تفسر سبب وجود الصخور الأقدم عمرا فوق الصخور الأحدث عمرا جزءا من تلك المهمة. وكتب قائلا: «لدى اقترابي من المحيط الغربي لسلسلة الجبال، برزت الحجارة الجيرية» (3) وظهرت الصخور الأقدم على الحافة التي كان يجوبها.


ثالثاً :

 وأضاف: «استطعت تبين بضع كسرات من الحجر الجيري على الحافة الصخرية، بيد أنني بلغت نهاية الكتلة الهائلة التي كنت أقتفي أثرها». ومن دون علم منه كان روبرتس قد اجتاز ما سيطلق عليه لاحقا «النافذة» Window - موضع تآكل فيه الصخر الأقدم والأقتم وكشف اللثام عن الحجر الجيري الأحدث عهدا القائم أسفله. وفي تلك الطبقة الفاصلة في الصخور الأقدم التي نبذت للأعلى من المحيط العميق تبين روبرتس وجود فتحة تفضي إلى الصخور الحاملة للذهب، وهي الأغنى بالذهب في أمريكا. كان «ينفذ ببصره» إلى غطاء الصخر الأقدم الحاجب للحجر الجيري. وقد سبق أن شاهد في منجم ويلو كريك Willow Creek دلائل على ما سيحيط بعلمه تماما في المقبل من الأيام - وهو أن الذهب يتوضع في طبقة الحجر الجيري تحت الصخور الأقدم عمرا. وصادف موضعا للمستكشف بالولوج إلى الأعماق والبحث مليا عن الذهب من دون الحاجة إلى النفاذ عبر حاجز الصخور الأقدم والأشدة صلابة. ولعل السبب في عدم رؤيته هذا الطريق المختصر مباشرة أن روبرتس لم يشرع في البحث عنه أصلا. وقطعت الحرب العالمية الثانية على روبرتس عمله وانضم إلى حملة البحث الحربي عن المعادن الاستراتيجية، وأرسل على جناح السرعة إلى أمريكا الوسطى. ولم يعد إلى نيفادا حتى العام 1954 عندما ترأس وحدة مكلفة بإعداد الخرائط الجيولوجية ليوريكا كاونتي Eureka County. هذا التكليف وضعه على الطريق الذي سيقوده إلى اكتشافه. وتحفل سيرة حياته الشخصية، التي دونها روبرتس عندما بلغ من العمر واحدا وتسعين عاما، بحيوية تلقائية غير متصنعة عبر صفحاتها ولا يجد القارئ إلا أن يستشعر وجود ذلك الشخص ذي الحظ العظيم رجل عاش بهجة الحياة التي وجدها ماثلة أمام ناظريه. ولد رالف جاكسون روبرتس في روزاليا بواشنطن في العام 1911. كان والداه يتحدران من العائلات العاملة في زراعة القمح، المقيمة في الجوار. وعلى حد وصف روبرتس فقد سئم والده من عتالة أكياس الحبوب التي تزن 120 رطلا، وهجر المزرعة ليعمل صيدليا. وقد سئم من ذلك العمل أيضا، بعد أن أنهكته ساعات العمل الطويلة في القيام بشؤون تلك الصيدلية الواقعة في بلدة صغيرة، وانصرف إلى بيع قارئ الأسطوانات ( ) الذي ابتكره أديسون.


رابعاً :

 وفي نهاية المطاف اشترى متجرا لبيع السكاكر في أوماك، شرقي واشنطن، وهي بلدة تقع في وادي أوكانوجان Okanogan Valley وبينما انصرف إلى عمل الحلويات التي لم يضاهه فيها أحد مثل حلوى الفول السوداني والنوغة (*)(*) والبينوشيه والديفينتي Divinity والكارميل والزبدة الاسكتلندية (***) والطوفي (* * * *) والفدج (1)»، فقد انصرف اهتمام ابنه إلى المشروبات الغازية. وفي سعيه ليكون جيولوجيا في المستقبل، كان روبرتس محظوظا بمعلميه كان أحدهم كيميائيا بارزا وكان الثاني يدير منجما لاستخراج التوليت (*) والتوليت - ويعرف أيضا بروزالين Rosaline نظرا إلى لونه الوردي الفاقع - معدن بلوري يقطع إلى ألواح لاستخدامه في أعمال الإكساء لأغراض الزينة. وقد ساعد روبرتس في أعمال استخراجه من مقالعه كما خرج في طلعات استكشافية إلى التلال المحيطة بحثا عن الذهب مع «الأب» هايس وهو عامل مأجور كان قد خسر ثروة جناها من استخراج الذهب بالشطف (**) من جداول الاسكا. كما أخذ المعرفة بأعمال التنقيب عن أسرته، إذ كان لدى أحد أعمام والدته فضة في كولورادو، وملأ أعمامه وأولاد أعمامه مسامعه بحكايا مغامراتهم منجم في التنقيب، لا بل إن جبال روبرتس الواقعة في الشمال الأوسط من نيفادا، وكانت منطقة عمله الاستكشافي، قد عرفت بهذا الاسم نسبة إلى شخص تربطه به قرابة بعيدة (13) وتتوالى فصول رواية روبرتس.


خامساً :

 وتحتل دروس الرقص في واشنطن زمن الحرب الفصل نفسه الذي انكب فيه على دراسة تشكل الأحواض الترسيبية القديمة لسلسلة جبال الكورديليران Cordilleran Geosyncline التي تشكلت قبل 380 مليون عام. وتتحدث الصفحات الست نفسها عن لقائه بزوجته المستقبلية، الصديقة وزميلة الدراسة ويكتب قائلا: «تقابلت عيوننا وتشابكت نظراتنا برهة امتدت طويلا. كانت آنذاك ترتدي خاتم خطوبتها ،لوارين، لكن تحيتها له بدت مكبوتة.. ولا أتذكر الكثير عن تلك الزيارة، باستثناء أني كنت منجذبا لأرليدا Arleda. ولأنها كانت خطيبة وارين فقد حاولت ألا أظهر مشاعري تجاهها، لكنني لمست أنها أدركت استلطا في لها، وشعرتُ أنها كانت مهتمة بأمري» (14).